فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

معنى التقليل والتصغير في قوله: {بِشيء مّنَ الصيد} أن يعلم أنه ليس بفتنة من الفتن العظام التي يكون التكليف فيها صعبًا شاقًا، كالابتلاء ببذل الأرواح والأموال، وإنما هو ابتلاء سهل، فإن الله تعالى امتحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم بصيد البركما امتحن بني إسرائيل بصيد البحر، وهو صيد السمك. اهـ.

.قال الألوسي:

وتنكير {شيء} كما قال غير واحد للتحقير المؤذن بأن ذلك ليس من الفتن الهائلة التي تزل فيها أقدام الراسخين كالابتلاء بقتل الأنفس وإتلاف الأموال وإنما هو من قبيل ما ابتلي به أهل أيلة من صيد البحر.
وفائدته التنبيه على أن من لم يثبت في مثل هذا كيف يثبت عند شدائد المحن.
فمن بيانية أي بشيء حقير هو الصيد.
واعترضه ابن المنير «بأنه قد وردت هذه الصيغة بعينها في الفتن العظيمة كما في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ الخوف والجوع وَنَقْصٍ مّنَ الأموال والانفس والثمرات وَبَشّرِ الصابرين} [البقرة: 551] فالظاهر والله تعالى أعلم أن من للتبعيض، والمراد بما يشعر به اللفظ من التقليل والتبعيض التنبيه على أن جميع ما يقع الابتلاء به من هذه البلايا بعض من كل بالنسبة إلى مقدور الله تعالى وأنه تعالى قادر على أن يجعل ما يبتليهم به من ذلك أعظم مما يقع وأهول وأنه مهما اندفع عنهم ما هو أعظم في المقدور فإنما يدفعه عنهم إلى ما هو أخف وأسهل لطفًا بهم ورحمة ليكون هذا التنبيه باعثًا لهم على الصبر وحاملًا على الاحتمال.
والذي يرشد إلى هذا سبق الإخبار بذلك قبل حلوله لتوطين النفوس عليه فإن المفاجأة بالشدائد شديدة الألم والإنذار بها قبل وقوعها مما يسهل موقعها.
وإذا فكر العاقل فيما يبتلى به من أنواع البلايا وجد المندفع منها عنه أكثر مما وقع فيه بإضعاف لا تقف عنده غاية فسبحانه اللطيف بعباده»
. انتهى.
وتعقبه مولانا شهاب الدين بأن ما ذكر بعينه أشار إليه الشيخ في «دلائل الإعجاز» لأن شيئًا إنما يذكر لقصد التعميم نحو قوله سبحانه: {وَإِن مّن شيء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} [الإسراء: 44] أو الإبهام وعدم التعيين أو التحقير لادعا أنه لحقارته لا يعرف.
وهنا لو قيل: ليبلونكم بصيد تم المعنى فإقحامها لابد له من نكتة وهي ما ذكر، وأما ما أورده من الآية الأخرى فشاهد له لا عليه لأن المقصود فيه أيضًا التحقير بالنسبة إلى ما دفعه الله تعالى عنهم كما صرح به المعترض نفسه مع أنه لا يتم الاعتراض به إلا إذا كان {وَنَقْصٍ} معطوفًا على مجرور من لو عطف على شيء لكان مثل هذه الآية بلا فرق انتهى.
وقال عصام الملة: يمكن أن يقال: التعبير بالشيء للإبهام المكنى به عن العظمة والتنوين للتعظيم أي بشيء عظيم في مقام المؤاخذة بهتكه إذا آخذ الله تعالى المبتلى به في الأمم السابقة بالمسخ والجعل قردة وخنازير ثم استظهر أن التعبير بذلك لافادة البعضية، ومما قدمنا يعلم ما فيه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وتنكير شيء هنا للتنويع لا للتحقير، خلافًا للزمخشري ومن تابَعه.
وأشار بقوله: {تناله أيديكم ورماحكم} إلى أنواع الصيد صغيره وكبيره.
فقد كانوا يمسكون الفراخ بأيديهم وما هو وسيلة إلى الإمساك بالأيدي من شباك وحِبالات وجوارح، لأنّ جميع ذلك يؤول إلى الإمساك باليد.
وكانوا يعْدُون وراء الكبار بالخيل والرماح كما يفعلون بالحُمر الوحشية وبقر الوحش، كما في حديث أبي قتادة أنّه: رأى عام الحديبية حمارًا وحشيًا، وهو غير محرم، فاستوى على فرسه وأخذ رمحه وشدّ وراء الحمار فأدركه فعقره برمحه وأتى به.
إلخ.
وربما كانوا يصيدون برمي النبال عن قسيّهم، كما في حديث «الموطأ» «عن زيد البَهْزي أنّه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد مكّة فإذا ظبي حاقف فيه سَهم». الحديث.
فقد كان بعض الصائدين يختبىء في قُتْرة ويمسك قوسه فإذا مرّ به الصيد رماه بسهم.
قال ابن عطية: وخصّ الرماح بالذكر لأنّها أعظم ما يجرح به الصيد.
وقد يقال: حذف ما هو بغير الأيدي وبغير الرماح للاستغناء بالطرفين عن الأوساط.
وجملة {تناله أيديكم} صفة للصيد أو حال منه.
والمقصود منها استقصاء أنواع الصيد لئلاّ يتوهّم أنّ التحذير من الصيد الذي هو بجرح أو قتل دون القبض باليد أو التقاط البيض أو نحوه. اهـ.

.قال القاسمي:

قال المهايمى: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} لأن قتله تجبر، والمحرم في غاية التذلل. اهـ.

.قال الفخر:

من في قوله: {مّنَ الصيد} للتبعيض من وجهين:
أحدهما: المراد صيد البر دون البحر.
والثاني: صيد الإحرام دون صيد الإحلال، وقال الزجاج: يحتمل أن تكون للتبيين كقوله: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} [الحج: 30]. اهـ.
قال الفخر:
أراد بالصيد المفعول، بدليل قوله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ ورماحكم} والصيد إذا كان بمعنى المصدر يكون حدثًا، وإنما يوصف بنيل اليد والرماح ما كان عينا. اهـ.
وقال الفخر:
قوله تعالى: {لِيَعْلَمَ الله مَن يَخَافُهُ بالغيب}
إن هذا مجاز لأنه تعالى عالم لم يزل ولا يزال واختلفوا في معناه فقيل نعاملكم معاملة من يطلب أن يعلم وقيل ليظهر المعلوم وهو خوف الخائف وقيل هذا على حذف المضاف والتقدير: ليعلم أولياء الله من يخافه بالغيب. اهـ.

.قال الألوسي:

{لِيَعْلَمَ الله مَن يَخَافُهُ بالغيب} أي ليتعلق علمه سبحانه بمن يخافه بالفعل فلا يتعرض للصيد فإن علمه تعالى بأنه سيخافه وإن كان متعلقًا به لكن تعلقه بأنه خائف بالفعل وهو الذي يدور عليه أمر الجزاء إنما يكون عند تحقق الخوف بالفعل، وإلى هذا يشير كلام البلخي.
والغيب مصدر في موضع اسم الفاعل أي يخافه في الموضع الغائب عن الخلق فالجار متعلق بما قبله.
وجوز أبو البقاء أن يكون في موضع الحال من من أو من ضمير الفاعل في {يَخَافُهُ} أي يخافه غائبًا عن الخلق.
وقال غير واحد: العلم مجاز عن وقوع المعلوم وظهوره.
ومحصل المعنى ليتميز الخائف من عقابه الأخروي وهو غائب مترقب لقوة إيمانه فلا يتعرض للصيد من لا يخافه كذلك لضعف إيمانه فيقدم عليه، وقيل: إن هناك مضافًا محذوفًا، والتقدير ليعلم أولياء الله تعالى و«من» على كل تقدير موصولة، واحتمال كونها إستفهامية أي ليعلم جواب من يخافه أي هذا الاستفهام بعيد.
وقرئ {ليعلم} من الإعلام على حذف المفعول الأول أي ليعلم الله عباده الخ، وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لتربية المهابة وإدخال الروعة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {لِيَعْلَمَ اللّهُ من يخافه بالغيب} علّة لقوله: {ليبلونّكم} [المائدة: 94] لأنّ الابتلاء اختبار، فِعلّته أن يعلم الله مِنه من يخافه.
وجَعْل علم الله علّة للابتلاء إنّما هو على معنى ليظهر للناس من يخاف الله من كلّ من علم الله أنّه يخافه، فأطلق علم الله على لازِمه، وهو ظهور ذلك وتميّزه، لأنّ علم الله يلازمه التحقّق في الخارج إذ لا يكون علم الله إلاّ موافقًا لما في نفس الأمر، كما بينّاه غير مرّة؛ أو أريد بقوله: {ليعلم الله} التعلّق التنجيزي لعلم الله بفعل بعض المكلّفين، بناء على إثبات تعلّق تنجيزي لصفة العلم، وهو التحقيق الذي انفصل عليه عبد الحكيم في «الرسالة الخاقانية».
وقيل: أطلق العلم على تعلّقه بالمعلوم في الخارج، ويلزم أن يكون مراد هذا القائل أنّ هذا الإطلاق قصد منه التقريب لعموم أفهام المخاطبين.
وقال ابن العربي في القبس: «ليعلم الله مشاهدةً مَا علمه غيبًا من امْتثال من امتثل واعتداء من اعتدى فإنّه، عالم الغيب والشهادة يعلم الغيبَ أوّلًا، ثم يَخلق المعدوم فيَعْلَمُه مشاهدة، يتغيّر المعلوم ولا يتغيّر العلم».
والباء إمّا للملابسة أو للظرفية، وهي في موضع الحال من الضمير المرفوع في {يخافه}.
والغيب ضدّ الحضور وضدّ المشاهدة، وقد تقدّم في قوله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب} [البقرة: 3] على أحد وجهين هنالك، فتعلّق المجرور هنا بقوله: {يخافه} الأظهر أنّه تعلّق لمجرّد الكشف دون إرادة تقييد أو احتراز، كقوله تعالى: {ويقتلون النبيئين بغير حقّ} [البقرة: 61].
أي من يخاف الله وهو غائب عن الله، أي غير مشاهد له.
وجميع مخافة الناس من الله في الدنيا هي مخافة بالغيب.
قال تعالى: {إنّ الذين يخشون ربّهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير} [الملك: 12].
وفائدة ذكره أنه ثناء على الذين يخافون الله أثنى عليهم بصدق الإيمان وتنوّر البصيرة، فإنّهم خافوه ولم يروا عظمته وجلاله ونعيمه وثوابه ولكنّهم أيقنوا بذلك عن صدق استدلال.
وقد أشار إلى هذا ما في الحديث القدسي: «إنّهم آمنوا بي ولم يروني فكيف لو رأوني» ومن المفسرين من فسّر الغيب بالدنيا.
وقال ابن عطية: الظاهر أنّ المعنى بالغيب عن الناس، أي في الخلوة.
فمن خاف الله انتهى عن الصيد في ذات نفسه، يعني أنّ المجرور للتقييد، أي من يخاف الله وهو غائب عن أعين الناس الذين يتّقى إنكارهم عليه أو صدّهم إيّاه وأخذَهم على يده أو التسميع به، وهذا ينظر إلى ما بنوا عليه أنّ الآية نزلت في صيد غشيهم في سفرهم عام الحديبية يغشاهم في رحالهم وخيامهم، أي كانوا متمكّنين من أخذه بدون رقيب، أو يكون الصيد المحذّر من صيده مماثلًا لذلك الصيد. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {بالغيب} فيه وجهان:
الأول: من يخافه حال إيمانه بالغيب كما ذكر ذلك في أول كتابه وهو قوله: {يُؤْمِنُونَ بالغيب} [البقرة: 3] الثاني: من يخاف بالغيب أي يخافه بإخلاص وتحقيق ولا يختلف الحال بسبب حضور أحد أو غيبته كما في حق المنافقين الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم. اهـ.
وقال الفخر:
قوله تعالى: {فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
المراد عذاب الآخرة والتعزيز في الدنيا قال ابن عباس: هذا العذاب هو أن يضرب بطنه وظهره ضربًا وجيعًا وينزع ثيابه.
قال القفال: وهذا جائز لأن اسم العذاب قد يقع على الضرب كما سمى جلد الزانيين عذابًا فقال: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ} [النور: 2] وقال: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب} [النساء: 25] وقال حاكيًا عن سليمان في الهدهد: {لأعَذّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا} [النمل: 21]. اهـ.